١٢/٠٧/٢٠٠٥

نحن والتطرف : الصمت شريعتنا والمجد للصامتين

نحن والتطرف : الصمت شريعتنا والمجد للصامتين


هشام الطوخى الحوار المتمدن - العدد: 1273 - 2005 / 8 / 1 4.8 / 5 Rate this article More from same author -->
لم يعد أى منا فى مكانه آمنا ولن يكون ، نحن التحفنا الصمت و كل منا ارتضى أن يلبس نظـارته الخاصة ، الحمراء و السوداء و الخضراء و الصفراء و ذات الألوان المتـعددة ، الحقيقة الوحيدة التى لم نعد نراها هى الضوء الأسود الذى يملأ حياتنا ويزداد يوماً بعد يوم قتامة ، لن يكون كافياً بعد الآن أن نخلع عن أعيننا الغشـاوة لنلتقط صورة عابرة للواقع الصادم ، فالصورة الاستاتيكية عن طريق حبس الظلال لن تمكننا من رؤية المستقبل الذى سـيتخلق من لحظة السـواد التى نعيشها اليوم ، الصورة الدينامـيكية هى ما نحتاج اليه .. فما يسمى اليوم بالارهاب ليس اختراعاً هبـط الينا من سمـاء الحادى عشر من سبتــمبر ولا تولد من صحراء وادى الملوك أو حتى استحضرت أشباحه قسراً عبر منصة أكتوبر ، ان بذوره مغروسة فى الأرض ، عمرها من عمر الجينات البشرية ، ولن يضيرنا أن نلمح اليوم وبعد آلاف ومـئات من السنين الى جحيم اخيت آتون وتل العمارنة ، والنيـران التى أكلت السكندرييـن فى عصور البطالسة ، وظلامـيات عصر هيـباتيا شهيدة الاسكـندرية فى زمن التحولات و المد المسيحى ، مروراً بطوائف العصر الاسلامى كعبيد بغداد و الحشاشين وهلوسة عصور الفاطميين وآل عثمان ، وصولاً الى العصر الحديث حين لاحت فى الأفـق ارهاصات النهضة العربية وابتدأ المشروع الليبرالى فى النصف الأول من القرن الماضى ، و بدا وكأن المنطقة قد دخلت الى تجربة قابلة للمراجعة والتصحيح قد تؤهلها للتخلص من ميراث تخلفها الحضارى وكتاب تاريخها المنكوب ، وابتدأت اللحظات المهمة عندما اكتشف رواد من منظرى حركة الاخوان المسلمين ذات الأهداف السياسية تلك الخلطة السحرية التى صنعها أبـو الأعـلى المـودودى من أفكار التراث الجهـادى الاسـلامى القديم والنضال الماركسى الحديث ، وتوالت اللحظات المفصـلية فكان اغتيال رئيس الوزراء المصرى النقراشى باشا و اغتيال حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول ، وهزيمة العرب فى حرب 48 وقيام المشروع الثورى العسكرى المصرى ، الذى اختزل سريعا فى شخص عبد الناصر ، والتى دفعت سياساته القمعية البعض ممن نجا من سجونه من أعضاء الجماعة الى الهجرة الى مملكة آل سعود ، حيث تولد فى أحضان هذه البيئة المغلقة مولود جديد هو الابن الشرعى للتزواج بين أفكار السيد قـطب و أفكار الدعوة الوهـابية ، و ابتدأت موجات الفكر الجديد تتسرب فى حقائب وعقـول العائدين من العمال والموظفين من دول الخليج الى مصر لتختلط بالافكار الخارجة من السجون ، وتوالدت الجماعـات الصغيرة كالأطفال ونمت فى حماية سياسـات السادات الميكيـافـيللية وسعيه الدائم لتفريغ الساحة من أصوات مسموعة تعارضه وترفض سلطته الأبوية ، وصارت فى النهاية جماعات شبت عن الطـوق وتوحشت فقتلت راعيها ، ثم دخلت مصر فى عهد مبارك الى عصر التحنيط وصارت بلا عقل أو قلب ، وشاهد مسرح التسعيـنات حروبا وثـنية جديـدة بين قبائل العائديـن من الخليـج وافغانستان تحت أسماء الجهـاد والجماعة الاسلامـية المسلحة والتكفير والهجـرة من جهة وجيوش الأمن من جهة اخرى ، استخدمت فيها لأول مرة المومياوات البشرية المصرية فى تجمعاتها المسالمة كاسلحة ، ولما بدا أن المعركة لغير صالح القبائل انسحبت استراتيـجيا الى مواقعها الجديدة فى أدغال الترابى و جبال الشيشان و كهوف الافغان قبل أن تيمم وجهها شطر دجلة والفرات وتنتشر على معظم الخريطة الأرضية وكأنها تريد التمهيد لاعلان الامبراطورية الجديدة التى لا تشرق عليها الشمس ، ووصلنا الى الصورة الاستاتـيكية القاتمة السواد التى ندعى أنها صدمتنا فى المدينة الجميلة شرم الشيخ هل نستطيع أن نتوقع أن هذا الظلام قد يتراجع ؟ لا ... فساقا الارهاب التى يمشى عليها لا زالتا قويتين ، لم نزل فى مرحلة التحنيط الحديثة ، والتوابيت التى يرقد فيها الآن المراهقون والشباب من الجنسين تمتلأ بالديكتاتورية الأسرية والدينية و العجز الاجتماعى ، و قمع الأمن المركزى ومباحث أمن الدولة ، والفقر والجوع والمرض وعدم القدرة على شراء الدواء والتعلم الجيد ، و افتقاد أية امكانية لتحقيق أبسط الطمـوحات البشرية من وجـبة دسـمة آمـنة و غير مسممة وقميـص جـيد وحذاء جديـد وفراش نظـيف فى ظل حكومة تتسلط بلا قلب أو عيون ، واحتكار حزب جعل الوظائف سلعاً تباع وتشترى ، وجعل الحلم بالمسكن والزوج و الزوجة والأطفال من الأشياء التى تطلب أحياناً فى جنة الرضوان لا فى الدنيا ومن ناحية أخرى لا زالت حقائب العائدين وعقولهم - ولا يبدو أنها ستتوقف - تقذف الينا بمنتجات الخليج السوداء - التى صار يعاد انتاجها محلـياً بكفاءة - و يتم الترويج لها على الأرصفة ويتم تداول محتواها على المقاهى وفى المواصلات العامة والفضائيات ذات الأغراض المجهولة وفى وصلات نفاق تليفزيون الحكومة ومساجدها ، حتى تعودناها ولم تعد تثير دهشتنا أو حتى انتباهنا ، و صرنا نستسيغ ما نسمعه من انتقاد صريح لمظاهر حياتنا البسيطة كطرق المأكل وأنواع الأطعمة وأدوات المائدة وشكل وألوان الملبس ابتداءاً من القميص والبنطلون الرجالى الى الجيب والبلوزة النسائية وطرق تصفيف الشعر والماكياج والزينة ، مروراً بما يؤديه الرجال والنساء منا ممن يمتلكون وظائف من أعمال مشروعة للرزق وطرق أدائها ، ومن جلساتنا البريـئة فى المقاهى والمنتـديات العامـة والمصايف فضلاً عن الغناء و السينما والتليفزيون و حفلات الموسيقى ( حتى الكلاسيك منها) والأوبرا والباليه وحتى عاميتنا التى نتكلم بها ، ووصف كل ما تشمله حياة الطبقة المتوسطة أو الفقيرة من مظاهر للحياة - اعتادها الشعب المصرى منذ مئات أو عشرات السنين - بصفات تتراوح بين المكروه والكفر البين يتم يومياً من مئات وآلاف الأفراد اعلاننا كمجتمع عاص و كافر لا بديل عن الاستنساخ الكامل لجميع أفراده على صورتهم الا ابادته الكاملة . القهر و اعلانات التكفير ... القهر ينتج الكبت واعلانات التكفير تفتح الأبواب لتفريغههذان هما ساقا الارهاب الأسود فهل يمكننا بترهما دون أن نتخلى طوعاً عن نرجسيتنا ؟ ودون أن جعل حياتنا وحياة الناس فدية وقرابين لشعاراتنا وأيدولوجياتنا ؟ مستقبلنا فى حاجة الى ان يتحول نضالنا الأول الى لنضال من أجل الانسان الفرد وحقه فى الحياة الحرة آمناً كيفما يريد هو ، لا كما نريد نحن اذا لم نتكلم ونتخلى عن شريعة الصمت فلن تكون تفجيرات شرم الشيخ هى الأخيرة ، وانما ستكون بمثابة ارهاصة لتفجيرات أخرى فى الغردقة والأقصر وأسوان والقاهرة والاسكندرية ومطروح والمنصورة والمنيا واسيوط وقنا ، و سيكون يوم السبت 23 يوليو 2005 هو يوم اعلان أننا جميعاً لم نعد آمنين ، وسنعاين جميعاً يوما قريباً فيه لن نبكى فقط على الحرية بل قد نبكى أيضاً على الحياة